أحمد سعيد القادري: الأسرة هي أهم شيء في حياتي، ويعترف "الفنان المغربي لا تُعطى له أهميته إلا بعد وفاته"




حاورته: سناء الدعليتي





أحمد سعيد القادري فنان تشكيلي شاب موهوب، من مواليد طنجة، ترعرع في وسط يحب الفن بأنواعه. بدأ مسيرته الفنية في سن مبكرة، ولم تنحصر موهبته في الفن التشكيلي بل تعدته إلى الفن السابع من خلال أول فيلم قصير له "النجمة والريح". أحمد سعيد القادري خص "نجمة" بهذا الحوار حول الفن، السينما والأسرة


كيف كانت بدايتك؟


بدأت مسيرتي في الفن التشكيلي في إعدادية ولي العهد بطنجة في سن الثالثة عشر عندما اختار أساتذة الفن التشكيلي أحد أعمالي لتمثل الإعدادية في معرض أقيم فيما بعد بمدرسة المعلمين في الموسم الدراسي 1983-1984. وقد كانت اللوحة تمثل بناية عالية من مدينة طنجة.ترعرعت في أسرة تكن للفن خاصة وللثقافة عامة الشيء الكثير، فوالدتي هي الأخرى تهوى الرسم وتختص في ميدان الديكور، أما أبي فقد كان يكتب لسنوات طوال في صفحات الجرائد اليومية، وكنت بين الحين والآخر أساهم معه ببعض الرسوم الكاريكاتورية حول الأحداث الدولية والوطنية.


في الماضي اعتبرك أستاذك في مادة الفلسفة "شخصا فاشلا"، فما تعليقك على ذلك بعد أن ذقت طعم النجاح؟


أستاذ الفلسفة أستاذ أكن له كل الاحترام والتقدير، على الرغم من مضايقاته المتكررة لي ومحاولته أن يحسس تلاميذه بأنهم "لا شيء" إذا لم يوافقوا على آرائه. وعندما قام بطردي في أحد الأيام بدون سبب ولدى حضور أبي، تمادى في القول بأنني إنسان فاشل ولن أتمكن من إنجاح حياتي أبدا. لكن تكهناته خاطئة بعد نجاحي في عملي.


هل يمكن للفن التشكيلي في عصرنا هذا أن يكون مصدر رزق؟


لا، لكنه في المقابل قد يصبح مصدر رزق لورثته. فالفنان التشكيلي في المغرب لا تُعطى له أهميته إلا عند وفاته، ويكفيه أن يكون مريضا لكي تصعد أسهمه في بورصة الفن بالمغرب خصوصا بعد أن ظهرت دور البيع بالمزاد العلني.


الفن التشكيلي مجال مهمل في المغرب، فما السبيل إلى إحيائه في نظرك؟


كل مجالات الإبداع مهملة في بلدنا، والسبب في نظري هو انعدام الضمير الإبداعي عند غالبية "المبدعين" خاصة الذين يغردون سنفونية البحث عن الربح والذين يتمكنون بوسائل مشبوهة من بيع لوحاتهم في المزادات العلنية بحيث يتفاهم صاحب دار العرض مع الفنان بالقيام بتخصيص ثمن مرتفع يفوق قيمة اللوحة، وعند بدء المزاد تبتدئ التمثيلية بحيث يتنافس مثلا ثلاثة متزايدين ويرتفع الثمن، والحقيقة أن الثلاثة من أصدقاء الدار، فيتخيل للحضور أن اللوحة بيعت بثمن قياسي بيد أن اللوحة ستعود لصاحبها والرابح هنا هي دار البيع بالمزاد أولا، إذ أن الفنان سيؤدي النسبة المئوية لها، ولوحاته ستزيد قيمتها. أما الحلول التي توصلت إليها الدول المتحضرة فهي سهلة للغاية، أولها إنشاء متاحف للفن المعاصر في أهم المدن لكي لا تنفرد الأروقة الخصوصية خاصة الأجنبية منها بتقديم الفن المغربي، فهذه الأخيرة لها معايير استعمارية في اختياراتها، فمثلا المعارض التابعة لوزارة الثقافة الفرنسية والتي تعتبر نفسها الأب الروحي للفن بالمغرب لن تقبل أبدا بعرض لفنان يقوم بالرسم الواقعي.


كيف تصف مشاركتك في مهرجان سينما الشباب بطنجة بفيلمك القصير "النجمة والريح"؟


مشاركتي في هذا المهرجان وحصولي على الجائزة الأولى كان بمثابة جرعة أدرينالين إضافية منحني إياها المهرجان. تقديمي لعملي الأول في ميدان السينما "النجمة والريح" لم يكن بغرض الفوز، لأنني لم أكن راضيا كل الرضى عنه، لكنني قدمته على أمل أن يتم اختياره بين العشر الأوائل لكي أتمكن من مشاهدته على شاشة السينما وأعرف ردة فعل الجمهور. خصوصا وأنني تعمدت سرد رواية تبدو خيالية في الأول ومملة في الوسط ومفاجئة في النهاية، كل ذلك في قالب مختلف عن السينما العادية، فقد غامرت بخلط الرسوم المتحركة وصور الفيديو دون حوار أو ممثلين مع الاعتماد على اللغات التي كانت تتداول في طنجة. ومفاجأتي كانت كبيرة عندما اختير فيلمي ضمن العشر النهائيين مما يتيح لي المشاركة في دورة تدريبية في مجال الصورة.لدى عرض الفيلم، اكتشفت بعض الأخطاء فيه، لكن تصفيقات الجمهور أثلجت صدري، بعد ذلك أعلن عن اسم الفائز بالجائزة الأولى التي مكنتني من حضور مهرجان "كان" في شهر مايو وتقديم شريطي القصير في ركن سينما المبدعين الشباب في الدورة 62.


آنذاك قلت إنها كانت تجربة ومحاولة فقط، فهل تعيد الكرة؟


مشاركتي في المهرجان جعلتني أتابع مسيرتي الفنية في الاتجاهين، ففي الفن التشكيلي، قمت بعرض أعمالي الجديدة في رواق الفن المجهز حديثا بمطار طنجة من طرف المكتب الوطني للمطار. وأنجزت في نفس الوقت عملين قصيرين، الأول سيُعرض في مهرجان إسبانيا عبارة عن فيديو كليب يشجع على المحافظة على البيئة، والثاني اعتراف لمنتظر الزيدي عن عمله البطولي وسأقدمه بمهرجان الهواة بطنجة، وهو عمل من نوع الرسوم المتحركة ويحمل عنوان "دابليو".


ما مدى حضور المرأة في أعمالك ؟


أعمالي التشكيلية يغلب عليها العمران والبحر أكثر من أي شيء. لا أريد تخصيص خطابي لفئة معينة من المجتمع. وبالنسبة لمجال السينما، فأنا لا زلت في بداية مشواري ولدي أفكار من ضمنها أعمال ستكون المرأة حاضرة فيها بقوة. ويمكن القول أنني أتجول بين العالمين: عالم التشكيل وعالم السينما بحيث ليسا متطابقين وإنما متكاملين.


تميل في لوحاتك إلى اللون الأزرق والأبيض، ما هو السبب؟


أيام الفنان الفرنسي ماتيس أواخر الثمانينات (1912) قال قولته المشهورة: "إنني أبحث طوال حياتي عن الضوء"، ولما حط بميناء طنجة قال: "وأخيرا وجدت الضوء".أظن أن توظيفي للون الأبيض هو في الحقيقة بحث عن الضوء المفقود، فأزقة مدينة طنجة وشوارعها التُهمت من طرف طغيان العمران العديم. أما اللون الأزرق في لوحاتي فهو انعكاس الضوء عند توظيف لوحة يغلب فيها اللون الأبيض.


من هم بعض الفنانين الذين تأثرت بهم؟


أحترم كثيرا من الفنانين المغاربة، وأخص بالذكر الأستاذ الفقيه الركراكي والذي قال في حقي قولا زاد من جرأتي والتزامي في مواصلة مشواري رغم الصعوبات التي واجهتني.لم أتأثر بالأستاذ الركراكي لأني لا أميل إلى الواقعية، لكن في المقابل تأثرت بماتيس وأكثر بالفنان الكتالاني جوا وميرو، فقد أحببت توظيفهما للألوان وتفاؤلهما المفرط في بناء اللوحة.


ما هي اللوحة الأقرب إلى قلبك؟ لماذا؟


أقرب لوحة إلى قلبي هي أقدم لوحة رسمتها، وقد عثرت عليها صدفة وأنا أقوم ببعض الإصلاحات في حجرة ببيت الأسرة.


ماذا شكلت لك تجربة أن تكون سفير المغرب في بلجيكا


« Prix des ambassadeurs Charleroi »؟


تبقى هذه التجربة تجربة شخصية، إذ لم تعط لها أية أهمية، فالسفارة المغربية وعلى الرغم من علمها بهذا الحدث لم تقم بإخبار الجالية المغربية، كما لم تبعث لي بأية رسالة شكر لي. لكن يبقى الشيء الجميل في هذه التجربة هو أنه تم اختيار أحد أعمالي في المزاد العلني رفقة فنانين آخرين، والهدف من هذا المزاد هو مساعدة أسر كارثة باخرة "البريستيج" الحاملة للبترول والتي لوثت الساحل الشمالي لإسبانيا بغرقها


.ما مكانة الأسرة في حياة "القادري"؟


الأسرة تمثل لي أهم شيء في حياتي بحيث بدونها لا داعي للإبداع. أنا ضد فكرة الفنان البوهيمي، ومن أنصار "زرعوا فحصدنا، نزرع فيحصدون". أول أفلامي أهديته لأبنائي وكانت تشكراتي لزوجتي فرح وأختي أحلام.أظن أن سعادتي الزوجية ساهمت بشكل إيجابي في المواظبة والنجاح الذي حققته، فزوجتي تتحمل حماقتي بل تشجعني على شراء حاسوب الماكينطوش عوض آلة غسيل الأواني لكي أقوم بمونتاج رسومي المتحركة.


طنجة حاضرة بألوانها وزقاقها في لوحاتك، ماذا تمثل لك هذه المدينة؟


هذه المدينة سحرت قبلي محمد شكري، فكيف لها ألا تسحرني؟ تلقيت عروضا مغرية للانتقال إلى مدن داخل المغرب وخارجه، كان آخرها كندا، لكنني فضلت البقاء بطنجة وذلك راجع إلى الحب الذي أذكاه والدي فينا تجاه المغرب. صراحة أحب مدنا مغربية أخرى من بينها مدينة

الحسيمة كونها مدينة أجدادي ومسقط رأس والدي، إلا أن الإنسان يظل متعلقا بالمكان الذي تحتضن فيه ذكرياته

.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire